خاص-النقار
محمود عبد القادر الجنيد النائب الأول لرئيس الوزراء في حكومة صنعاء السابقة يقول إن الكيل قد طفح معه ونفد صبره ولم يعد يستطيع الصمت بعد الآن.
أما بعد، فهكذا هي الأمور بالنسبة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) الذين كان محمود إلى ما قبل كتابة منشوره على الفيسبوك يعتبر نفسه واحدا منهم ويرتكب في سبيلهم كل التجاوزات بصفته كان مسؤولا حكوميا معتبرا، يمكن له على سبيل المثال أن يوجه إلى محاكم جماعته عريضة ضد شخص قال إنه أعطى إحداثيات للعدو الأمريكي والصهيوني بـ"منزله" في شارع مجاهد بالعاصمة صنعاء. فمنزل المناضل ياسر عرفات أمكن له أن يصبح منزل المناضل محمود الجنيد، باعتبار أن النضال واحد في النهاية. و"شارع مجاهد" الكائن فيه بيت المناضل هو الآخر له دلالة الاسم والمسمى. فكان لتلك المحاكم وأجهزة الأمن أن تُسكت ذلك الصوت المزعج واعتباره صوتا عميلا خائنا، وصار بوسع الجنيد أن يتنفس الصعداء ممددا قدميه في البيت الفسيح.
لكن كما يبدو تأتي الرياح من حيث لا يحتسب المرء. فحرب غزة توقفت وأصبح المجاهدون في هدنة مع الزمن يتلمسون جيوبهم ويتفقدون المحصول. وبحسب المثل فإن اللصوص الذين لم يرهم المرء وهم يسرقون سيراهم وهم يتقاسمون ما سرقوه.
هذا بالضبط ما يمكن فهمه من منشور الجنيد على صفحته في فيسبوك. فهو (قدس سره) يقول: "الجماعه كل أسبوع وهم يرسلوا أشخاص وبالتحديد من محافظة صعدة، ولذلك لإخراجي من منزلي في شارع مجاهد (فله الرئيس ياسر عرفات)".
لا داعي للالتفات إلى معضلة التاء المربوطة التي تتحول إلى هاء منفلتة، باعتبار أن تلك ميزة أكثر مسؤولي سلطة صنعاء سابقا ولاحقا، ولنواصل فقط قراءة المنشور الناري للجنيد وهو يوجه سؤاله للجماعة: "الم تكتفوا بالآف المنازل والفلل التي بحوزتكم من املاك المرتزقه؟ صبرت عليكم حتى نفذ الصبر وقمت بالكتابة عبر الفيسبوك. ورحم الله الرئيس ....".
وبعيدا مرة أخرى عن الأخطاء النحوية والإملائية القاتلة لنائب رئيس حكومة معتبرة، لا أحد يعرف بالضبط على أي رئيس قد ترحم الجنيد في آخر منشوره، لكن يبدو أنها شِفرة لا يعلمها إلا الراسخون. وأما ذكر لفظ "المرتزقة" في سياق حديث اللصوص عن تقاسم أملاكهم فمهزلة في حق اللغة لا في حق أولئك، ولا ندري هنا هل ياسر عرفات هو أيضا من ضمن المرتزقة الذين استولى الجماعة على أملاكهم أم ماذا.
كل شيء مطروح للمناقشة، وعلى الجنيد أن يتحلى بالصبر كثيرا ولا ينزعج من إجراءات جماعته، خصوصا الصعدوايين الذين يأتون إلى "منزله" بين الحين والآخر لإخراجه منه، مذكرا إياهم أنه "فله (فِلّة) الرئيس ياسر عرفات".
هذا التذكير من قبل الجنيد له مغزى كبير كما يبدو، فهو من جهة يريد أن يقول إنه يختلف عن الجماعة في كونه شريفا أصاب منزل زعيم بمستوى ياسر عرفات، وهذه لا تعتبر لصوصية وإنما سيرا على ذات الخطى النضالية، ومن جهة أخرى يريد أن يقول للجماعة لا تضطروني إلى كشف المستور وليكتف كل منا بما حصل عليه باعتبارنا كلنا لصوصا. وبعبارة أخرى لقد طفح صبري ونفد تجلدي: لا تسرقوا ما سرقته مثلكم!