• الساعة الآن 07:02 PM
  • 14℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

لماذا انسحبت إيران من اتفاق القاهرة؟ وماذا يعني ذلك؟

news-details

 

خاص - النقار

ما هو “اتفاق القاهرة” وأهدافه؟
في 10 سبتمبر 2025، وقّعت إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية اتفاقًا في القاهرة لاستئناف التعاون الفني بينهما، بما يشمل خطوات عمليّة لعودة تفتيش المنشآت النووية الإيرانية التي توقفت زياراتها سابقًا . هدف الاتفاق إلى إعادة تفعيل الرقابة الدولية على البرنامج النووي الإيراني بعد انقطاع، وذلك عبر السماح للمفتشين بدخول المواقع النووية (بما فيها المواقع التي تعرضت لهجمات) والتحقق من مخزون اليورانيوم المخصب لدى إيران . وقد جاء هذا الاتفاق في إطار السعي لبناء الثقة وتفادي تصعيد الأزمة النووية؛ إذ كان من المأمول أن يلبّي شروطًا وضعها الغرب لتجنّب إعادة فرض عقوبات أممية شاملة على طهران  . جدير بالذكر أن إيران نفسها حذّرت أثناء توقيع الاتفاق من أنه إذا فُرضت عليها عقوبات دولية جديدة فسوف تعتبر الإجراءات المتفق عليها لاغية ، ما عكس الطبيعة المشروطة لهذا التفاهم بين الجانبين.

ظروف توقيع الاتفاق برعاية مصرية
جاء اتفاق القاهرة على خلفية تصعيد كبير سبق توقيعه. ففي يونيو 2025 اندلعت مواجهة عسكرية استمرت 12 يومًا تعرضت خلالها مواقع نووية إيرانية لقصف من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، مما دفع طهران إلى تعليق تعاونها مع الوكالة الدولية في يوليو من ذلك العام . وأثار توقف التفتيش مخاوف دولية من غياب الرقابة. في هذه الأثناء فعّلت القوى الأوروبية الكبرى (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) إجراءات إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة (آلية “سناب باك”) التي رُفعت بعد الاتفاق النووي عام 2015، مهددةً بإعادتها ما لم تستأنف إيران تعاونها بشكل كامل مع المفتشين  . ضمن هذه الأجواء المشحونة، تولّت مصر دور الوساطة واستضافت لقاءً بين مدير الوكالة رافائيل غروسي ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في القاهرة، سعياً لتخفيف التوتر وإيجاد مخرج دبلوماسي . بفضل هذه الجهود و”الرعاية المصرية”، تم التوصل إلى الاتفاق الذي حمل اسم “اتفاق القاهرة”، في إشارة لمكان توقيعه ودور القاهرة في تسهيله.

أسباب انسحاب إيران من الاتفاق أو تعليق التزاماتها
على الرغم من الآمال التي عُلّقت على اتفاق القاهرة، برزت تطورات دفعت طهران إلى التراجع عنه. فعندما فعّلت الدول الأوروبية الثلاث آلية الـ“سناب باك” وأعادت فرض العقوبات الأممية التي كانت مُعلّقة، اعتبرت إيران أن الاتفاق فقد جدواه ولم يعد ملزِمًا لها . بكلمات أخرى، رأت طهران أن الغرب قوض الهدف من الاتفاق بإعادة العقوبات التي كان من المفترض تجنّبها، ما دفعها إلى تعليق تنفيذ خطوات التعاون التي تعهّدت بها. ثم تصاعد الموقف في نوفمبر 2025 مع اعتماد مجلس محافظي الوكالة الذرية قرارًا يطالب إيران بتقديم توضيحات فورية حول مخزون اليورانيوم المخصب والسماح بالوصول إلى المواقع التي تعرضت للقصف . اعتبرت إيران هذا القرار تصعيدًا عدائياً من قبل الغرب؛ وعلى إثره أعلنت رسميًا إلغاء “اتفاق القاهرة” بالكامل وأبلغت الوكالة الدولية بذلك عبر رسالة رسمية  . وقد حمّل المسؤولون الإيرانيون واشنطن والترويكا الأوروبية مسؤولية “القضاء” على الاتفاق باستفزازاتهم التصعيدية  .

التداعيات النووية والدبلوماسية لانسحاب إيران من اتفاق القاهرة
انسحاب إيران من اتفاق القاهرة أعاد الملف النووي إلى مربع التوتر وفقدان الشفافية. عمليًا، غياب التفتيش الدولي على منشآت حساسة يجعل الوكالة الدولية غير قادرة على التحقق من مستوى التخصيب أو حجم المخزون، ما يرفع هامش الشك ويزيد منسوب القلق لدى القوى الغربية. هذا الفراغ الرقابي يعزز قدرة طهران على توسيع نشاطها النووي دون توثيق مباشر، ويحوّل البرنامج النووي إلى ملف مفتوح بلا خطوط حمراء واضحة. دوليًا، يؤدي الانسحاب إلى تقوية معسكر الداعين إلى تشديد العقوبات وربما إعادة طرح سيناريوهات الردع العسكري، خصوصًا لدى واشنطن وتل أبيب. أما أوروبيًا، فالموقف يتجه نحو فرض مسار ضغط متدرّج يعيد بناء أدوات الردع بعد سقوط الاتفاق. إقليميًا، تُقرأ الخطوة الإيرانية باعتبارها محاولة لرفع كلفة الضغط عليها وإعادة صياغة قواعد التفاوض من موقع قوة، لكنها في المقابل تفتح الباب أمام سباق رسائل قد يرفع من احتمالات سوء التقدير بين اللاعبين الإقليميين. وفي المحصلة، يخلق الانسحاب بيئة مضطربة تضع الملف النووي في قلب التجاذب الجيوسياسي، وتعيد تشكيل الحسابات الدولية تجاه إيران بعيدًا عن لغة التهدئة التي حاول اتفاق القاهرة إرساءها.

شارك الخبر: