عبدالوهاب قطران
الحقيقة موجعة، مرة، لكنها ميزان العاقل ومرآة الوعي. والرجل الرشيد هو من يقف أمامها بشجاعة، يراجع نفسه، ويصحح أخطاءه قبل أن يفوته قطار الزمن.
لا تصدقوا حملة المباخر ولا تُغريكم الزوامل، ولا تطمئنوا لحملات التلميع المدفوعة سلفًا، من أبواق اليوتيوب ومؤثري المنصات العرب، ممن اعتادوا أن يبيعوا المواقف كما تُباع السلع، وينتفخوا بأموال الخزائن المنهوبة، مقابل مدائح مصطنعة وشهادات زور.
ولا تركنوا إلى أنكم صالحتم أمريكا أو دول الخليج. فالمصالحة الحقيقية لا تكون مع الخارج، بل مع الداخل — مع هذا الشعب الجائع، المنهك، الذي طحنته الحروب، وأثقل كاهله الفقر، وسُرقت منه أحلامه في العيش الكريم.
لا تأمنوا مكر الله، ولا مكر الشعب. ولا يغركم صبرهم، ولا صمتهم، ولا انحناء ظهورهم تحت وطأة القهر، فالصبر إذا بلغ منتهاه، تحوّل إلى انفجار.
بالأمس، خرج عشرات، وربما مئات الآلاف، لتشييع جثمان الشيخ ناجي جمعان الجدري، أحد من قاوموكم بشجاعة. فهل أدركتم الرسالة؟
ذلك ليس مجرد تشييع… بل استفتاء شعبي حقيقي، لا يمر عبر صناديق مُعلّبة، بل عبر قلوب موجوعة.
تخيلوا — فقط تخيلوا — لو تم غدًا تسليم جثمان آخر رؤساء اليمن الجمهوري الكبير الزعيم علي عبدالله صالح، كما استلمتم بالأمس جثمان مؤسس حركتكم حسين بدر الدين الحوثي…
أجزم أن الشعب، كل الشعب، سيخرج عن بكرة أبيه لتشييعه في مشهد مهيب، لا حبًا في علي، بل بغضًا في معاوية. لا تأييدًا لشخص، بل رفضًا لما آلت إليه أحوالهم في عهدكم.
وحينها، لن تُجديكم جيوش الذباب الإلكتروني، ولا سُبابهم السوقي الرخيص: "سندعسك"، "سنسجنك"، "يا مضربه"، "جلدك بيحكك"... فهذه اللغة ليست من معجم دولة، بل من قاموس عصابة.
أنتم اليوم، مع الأسف، معزولون. فشلتم في كسب قلوب الناس، لأنكم لم تقدموا لهم شيء سوى الخوف والسجون والقمع والجوع.
إن سياسة التهديد والترهيب قصيرة النفس، عمرها قصير وإن طال، وسينقلب السحر على الساحر عاجلًا أو آجلًا.
القوة وحدها لا تبني دولة، ولا تحفظ ملكًا. وحده الرضا الشعبي هو الضمان الحقيقي للبقاء، والتاريخ لا يرحم من يتجاهل دروسه.
راجعوا أنفسكم قبل أن تُغلق نوافذ التوبة، وقبل أن يُسدل الستار على فرص التصحيح.
اقتربوا من الناس، خففوا من معاناتهم، أفرجوا عن المظلومين في سجونكم الكثيرة التي لا تُعد ولا تُحصى، والتي نُسي فيها رجال ونساء لم يحملوا سلاحًا، بل حملوا كلمات.
إن الله لا يغفل، والتاريخ لا ينسى، والشعوب لا تموت.
والله من وراء القصد.