خاص - النقار
خلفية الإلغاء والصراع على الشرعية التعليمية
في يونيو 2023، أعلن المجلس الرئاسي اليمني إلغاء اعتماد شهادات الثانوية العامة الصادرة من مناطق سيطرة جماعة أنصار الله، على خلفية اتهامات بالتلاعب بالعملية التعليمية، شملت تسريب أسئلة الامتحانات، انتشار الغش، وتعديل المناهج لدوافع أيديولوجية. وأفادت مصادر تربوية أن الجماعة منحت امتيازات في الدرجات لأبناء قياداتها والمقاتلين، ما اعتُبر إخلالًا بتكافؤ الفرص.
وزارة التربية والتعليم التابعة للمجلس الرئاسي برّرت قرارها بأنه يهدف إلى حماية مصداقية الشهادة اليمنية، لكنه في المقابل وضع عشرات الآلاف من الطلاب في مأزق يهدد مستقبلهم الدراسي.
آلية المعادلة المعتمدة
على إثر إلغاء الاعتراف بالشهادات الصادرة من مناطق الحوثيين، وضعت وزارة التربية والتعليم (في عدن) آلية خاصة لمعادلة شهادة الثانوية لهؤلاء الخريجين. يتوجب على الطالب التوجه للوزارة المعترف بها وتقديم وثائق دراسته في الصفين الأول والثاني الثانوي. ثم يُطلب منه توقيع تنازل خطي عن شهادة الثانوية الصادرة من صنعاء، بحيث يتم سحبها رسمياً . بعد ذلك يتولى قطاع الاختبارات في الوزارة تقييم مستوى الطالب استنادًا إلى درجاته في الصفين العاشر والحادي عشر وكشف أعمال السنة، مع احتساب 50% من معدل الصف الثالث الثانوي و50% من معدلات الصفين الأول والثاني . بموجب هذه المعادلة التصاعدية تصدر الوزارة شهادة ثانوية جديدة للطالب تحمل المعدل التراكمي المحتسب. هذه الخطوة تهدف ظاهريًا لتحقيق قدر من العدالة وتعويض أي تضخيم غير مستحق في نتائج امتحانات صنعاء.
ويواجه الطلاب صعوبات عدة في هذه المعادلة، تبدأ بالسفر من مناطقهم إلى عدن وسط ظروف أمنية ومعيشية صعبة، وتنتهي بدفع رسوم ومعاودة دراسة مقررات أو أداء اختبارات إضافية. ويقول طلاب إن وزارة التربية في عدن تتعامل معهم بعقلية عقابية، حيث يُطلب منهم التوقيع على إقرار بعدم الاعتراض على تخفيض المعدل، بل وتهدد بعضهم بعدم منح الشهادة المعادلة إذا انخفض المعدل تحت درجة النجاح.
هذه الإجراءات دفعت البعض لوصفها بأنها شكل من أشكال العقاب الجماعي ضد طلاب لا ذنب لهم سوى أنهم نشأوا في مناطق خارج سيطرة المجلس الرئاسي.
الفجوة التعليمية والشكوك الأكاديمية
تثير المناهج الدراسية المعدّلة في مناطق جماعة أنصار الله تحفظات أكاديمية، إذ أُدخلت مواد ذات طابع أيديولوجي، وقد أُضعف مستوى التحصيل العلمي بفعل تسريب الامتحانات والغش.
هذا الخلل التربوي ينعكس على قدرة الطلاب عند الانتقال للدراسة الجامعية، خاصة خارج اليمن، حيث يُتوقع منهم مستوى أكاديمي لا توفره البيئة التعليمية الحالية في صنعاء. ورغم ذلك، هناك طلاب مجتهدون من صنعاء شعروا بأنهم عوقبوا مرتين: مرة في بيئة تعليمية غير منصفة، ومرة أخرى عند محاولة تصحيح وضعهم رسميًا.
تمثل قضية الشهادات الثانوية انعكاسًا لصراع الشرعيات في اليمن. فالمجلس الرئاسي يسعى لفرض مرجعيته على العملية التعليمية، ويرفض الاعتراف بوثائق صادرة من سلطات الأمر الواقع التابعة لجماعة أنصار الله. في المقابل، تستخدم الجماعة الامتحانات ونتائجها كأداة لتعزيز سلطتها، بما في ذلك منح امتيازات لأبناء المقاتلين.
وبين الطرفين، يجد الطلاب أنفسهم عالقين في تجاذب سياسي لا يرحم. السلطة في عدن تضع شروطًا قاسية لمعالجة التلاعب في صنعاء، وجماعة أنصار الله تستغل التعليم لتعزيز الولاءات، فيما يظل الطالب هو الضحية الأولى لانقسام المؤسسات في واحدة من أهم مراحل حياته.