• الساعة الآن 05:44 AM
  • 18℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

هل التصعيد المالي بين صنعاء وعدن بلغ نقطة اللاعودة؟

news-details

 

خاص - النقار
شهدت الشهور الأخيرة تصعيدًا اقتصاديًا ملحوظًا بين سلطة صنعاء (جماعة أنصار الله) والمجلس الرئاسي (الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا). فقد تبادل الطرفان سلسلة من الخطوات والإجراءات التي صعّدت حدة المواجهة في الملفين المصرفي والنقدي، مما ينذر بتعميق الانقسام الاقتصادي في اليمن. شمل التصعيد انتقال مقرات بنكية رئيسية من صنعاء إلى عدن، وإصدار عملات جديدة من قبل سلطة صنعاء، إلى جانب إجراءات مضادة وتحذيرات من كلا الطرفين.

انتقال البنوك من صنعاء إلى عدن

في 17 مارس 2025 أعلن البنك المركزي اليمني في عدن أن ثمانية من أكبر البنوك التجارية العاملة في صنعاء أخطرتهُ بنيّتها نقل مقراتها الرئيسية إلى العاصمة المؤقتة عدن  . وجاءت هذه الخطوة غير المسبوقة استجابة لضغوط دولية وخشية تلك البنوك من الوقوع تحت طائلة العقوبات الأمريكية، خاصة بعد إعادة تصنيف جماعة أنصار الله منظمةً إرهابية وما تبعه من عقوبات على قيادات فيها . على سبيل المثال، أعلن البنك اليمني للإنشاء والتعمير رسميًا نقل مركزه الرئيسي من صنعاء إلى عدن، مبررًا القرار بالتزام متطلبات البنك المركزي بعدن واشتراطات المجتمع الدولي، في ظل تزايد احتمالات إدراجه ضمن الكيانات المحظورة من وزارة الخزانة الأمريكية إذا استمر نشاطه في صنعاء . وكانت وزارة الخزانة قد عاقبت سابقًا بنكي اليمن الدولي واليمن والكويت لمساعدتهما سلطات صنعاء في استغلال القطاع المصرفي لغسل الأموال . وتُعتبر موجة انتقال البنوك هذه تحولًا كبيرًا في الخارطة المصرفية اليمنية، إذ تنتقل المؤسسات المالية من مناطق سيطرة صنعاء (المصنّفة أمريكيًا عالية المخاطر) إلى نطاق سلطة الحكومة الشرعية في عدن .

قوبلت خطوة انتقال البنوك إلى عدن برد فعل حاد من سلطة صنعاء، حيث منعت جماعة أنصار الله موظفي البنوك من مغادرة مناطقها، حتى خلال إجازات الأعياد، خشية تسرب الكوادر المصرفية. وذكرت مصادر أن سلطة صنعاء عمّمت أسماء الموظفين على الحواجز واحتجزت بعضهم وألزمتهم بتعهدات بعدم السفر. كما حذّر قياديون في الجماعة من نقل الأصول المصرفية، ولوّحوا بإمكانية مصادرتها أو تصفيتها ردًا على الخطوة. رغم ذلك، واصلت البنوك المُنتقلة تنفيذ ترتيباتها الفنية، كفصل شبكة “سويفت” عن صنعاء وربطها بعدن، في خطوة تهدف لضمان استمرار عملياتها بعيدًا عن التأثيرات في مناطق سيطرة أنصار الله.

إصدار عملة جديدة من قبل سلطة صنعاء

أعلنت سلطة صنعاء عن طرح عملتين جديدتين للتداول: عملة معدنية فئة 50 ريالًا، وأخرى ورقية فئة 200 ريال، مبررة الخطوة بأنها تهدف لاستبدال الفئات التالفة دون زيادة الكتلة النقدية أو التأثير على سعر الصرف، ضمن خطة لتحسين جودة النقد المتداول.

في المقابل، اعتبر البنك المركزي في عدن أن هذه الخطوة تمثل تصعيدًا خطيرًا وخرقًا لتفاهمات التهدئة، مؤكدًا رفضه القاطع لها. ووصف العملات الجديدة بأنها “مزورة” وغير قانونية، محذرًا البنوك وشركات الصرافة من التعامل بها. كما أشار إلى أن التعامل بهذه العملات قد يعرّض المؤسسات والأفراد للعقوبات الدولية، كونها صادرة عن جهة "غير معترف بها ومصنفة إرهابيًا".

يجدر الذكر أن خطوة سكّ العملة الجديدة ليست الأولى من نوعها. فقد سبق لسلطة صنعاء أن أصدرت في عام 2024 عملة معدنية فئة 100 ريال كبديل للعملات التالفة، مما فجّر أزمة حينها مع الحكومة الشرعية كادت تتطور إلى مواجهة عسكرية لولا تدخل المبعوث الأممي لتخفيف التوتر . ويُنظر إلى الإصدارات النقدية الأخيرة (50 و200 ريال) باعتبارها إعلانًا أحاديًا لفك الارتباط النقدي بين صنعاء وعدن، الأمر الذي يقوّض بشكل واضح إعلان خفض التصعيد الاقتصادي الذي رعته الأمم المتحدة في يوليو 2024 . وقد علّق الاتحاد الأوروبي على الخطوة منتقدًا إياها بوصفها تزويرًا غير قانوني للعملة الوطنية في ظل وجود بنك مركزي معترف به دوليًا في عدن .

تداعيات التصعيد على الاقتصاد المنقسم

التصعيد الاقتصادي الأخير جاء بعد فترة هدوء نسبي ومحاولات دولية لتوحيد السياسة المالية، لكنه دفع نحو تعميق الانقسام المصرفي. يرى مراقبون أن انتقال البنوك إلى عدن سيعزز سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا على القطاع المالي، ويمكنها من توحيد السياسات النقدية في مناطق نفوذها. كما يسهم ذلك في استقرار سعر الصرف، وتحسين الخدمات المالية، ومراقبة الأنشطة المصرفية، واستعادة الثقة محليًا ودوليًا.

من أبرز المكاسب المتوقعة تمكين البنك المركزي في عدن من التحكم بتدفق التحويلات الخارجية، واستقطاب مقرات الشركات والمنظمات، وزيادة إيرادات الدولة من الضرائب والرسوم المالية. ويأمل المجلس الرئاسي أن يساعد هذا التحول في توحيد العملة الوطنية وتقليص الفجوة بين طبعتَيها.

غير أن خبراء يحذرون من تحديات كبيرة، أبرزها أن 65% من النشاط الاقتصادي لا يزال في مناطق سيطرة أنصار الله، مما يحد من فعالية انتقال البنوك. كما تواجه هذه المصارف تحديات لوجستية وأمنية، فضلًا عن صعوبة استرجاع أصولها العالقة في صنعاء.

خلاصات وتوقعات

في المحصلة، يُظهر التصعيد الاقتصادي الأخير إصرار كل طرف على تعزيز موقفه المالي: فالمجلس الرئاسي يسعى إلى ترسيخ سلطته على القطاع المصرفي الوطني وإضعاف هيمنة جماعة أنصارالله عليه، مستغلًا الضغط الدولي والعقوبات لكسب اعتراف المؤسسات المالية  . في المقابل، تحاول جماعة أنصار الله الحفاظ على تماسك جبهتها المالية الداخلية عبر إجراءات أحادية مثل طباعة العملات ومنع تسرب السيولة والبنوك إلى خارج مناطقها  . هذه الخطوات من شأنها توفير حلول جزئية لأزمة السيولة في صنعاء (حيث تعاني الأسواق من اختفاء العملة الصغيرة والتالفة) لكنها لا تقدم علاجًا جذريًا للمشكلات الاقتصادية  . بل يرى خبراء أنها تزيد من حدة الانقسام النقدي وتعمّق الشرخ بين النظامين الماليين القائمين، مما يصعّب مستقبلاً إعادة توحيد السياسة النقدية حتى لو حدث تقدم سياسي . ومع استمرار كل طرف في تصعيده الاقتصادي المضاد، تبقى تبعات ذلك واقعة بشكل رئيسي على كاهل المواطن اليمني العادي الذي يواجه عملتين مختلفتين وتضخمًا جامحًا وأزمة إنسانية خانقة. وربما يضغط هذا الواقع على جهود الوساطة الأممية والإقليمية للتعجيل بمعالجة الملف الاقتصادي ضمن أي تسوية سياسية قادمة، بما يضمن قدرًا من الاستقرار المعيشي وتحييد الاقتصاد عن الصراع قدر الإمكان.

شارك الخبر: