• الساعة الآن 05:53 PM
  • 27℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

صراع السيطرة على الإيرادات داخل أنصارالله.. (مصلحة الضرائب والجمارك) أنموذجا

news-details

النقار - خاص
بين مسمَّيي مصلحة الضرائب والجمارك، والهيئة العامة للإيرادات، دار صراع بين نافذي الجماعة في صنعاء، لقرابة تسعة أشهر، وإن كان قد انتصر المسمى الأول، إلا أنه لم يُحسم بشكل نهائي.

قضت عملية الدمج التي تبنَّتها الجماعة مع إعلان تشكيلة حكومة الرهوي في أغسطس 2024، بدمج مصلحتي الجمارك والضرائب في كيان واحد، لكن طرفًا نافذًا في الجماعة ظل يصرّ على توسيع الدمج ليشمل الهيئة العامة للزكاة، على أن تُدمج الكيانات الثلاثة تحت مسمى "الهيئة العامة للإيرادات".

يقول لـ"النقار" مصدر مقرَّب من لجنة الدمج إن الصراع على الكيانات الإيرادية الثلاثة زادت حدته بعد إصدار مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى، القرار رقم (26) لسنة 1446 هـ، والصادر في أكتوبر 2024، والذي حدد الأهداف والمهام والاختصاصات العامة والتقسيمات التنظيمية الرئيسية لوزارة المالية، وتضمَّن دمج مصلحة الضرائب ومصلحة الجمارك ضمن مصلحة واحدة، وإلحاقهما بمكتب وزير المالية، موضحًا أن عملية الدمج استفزَّت الفصيل الذي كان يسيطر على مفاصل وزارة المالية في عهد الوزير رشيد أبو لحوم، والذي كان يُحسب على عمّ قائد الجماعة، عبد الكريم الحوثي، وزير الداخلية.

ولفت المصدر إلى أنه، وردًا على قرار دمج المصلحتين، ضغط الفصيل باتجاه دمج الهيئة العامة للزكاة مع مصلحتي الجمارك والضرائب في إطار مكوِّن واحد يُطلق عليه الهيئة العامة للإيرادات، منوّهًا إلى أن هذا الخلاف أثّر على عدم ظهور قرارات الدمج، وعدم نشرها في وكالة سبأ الرسمية، وأدى إلى تعثُّر العملية بشكل عام.

وفي ذات السياق، كشف لـ"النقار" مصدر يعمل في هيئة الزكاة أن زعيم الجماعة رفض دمج الهيئة مع باقي الجهات الإيرادية، كونها تخضع للإشراف المباشر منه، مشيرًا إلى أن الهيئة لا تخضع لأي رقابة حكومية، لافتًا إلى أن هذا الرفض أدى إلى إنفاذ قرار دمج مصلحتي الضرائب والجمارك في كيان واحد، وتكليف إبراهيم علي مهدي رئيسًا لها، في 20 يوليو الجاري.

ورأى مصدر يعمل في وزارة المالية أن الاكتفاء بتكليف إبراهيم مهدي رئيسًا لمصلحة الجمارك والضرائب من قبل رئيس الوزراء، بدلًا من تعيينه بقرار رئاسي، يُعدّ مؤشرًا على حجم الصراع حول المصلحة الجديدة، مؤكدًا لـ"النقار" أن ذلك يُنذر بتوسّع الصراع بين نافذي الجماعة إلى مؤسسات أخرى.

وأفاد "النقار" مصدر جمركي وآخر ضريبي أنه منذ تسلُّم الرئيس الجديد لمصلحة الضرائب والجمارك، لم يتم إجراء أي تغييرات، مؤكدَين أن مكتبي رئيسي المصلحتين سابقًا ما يزالان يُسيِّران الأعمال، منوّهَين إلى أن إشكالية قانونية تواجه عملية الدمج، لاختلاف عمل المصلحتين، مشيرَين إلى أن الجماعة تجهل اختلاف العمل الضريبي عن الجمركي، ولا تنظر إليهما إلا من بوابة كونهما جهات إيرادية.

وفي هذا السياق، أبدى مصدر قانوني استغرابه من تكليف رئيس لمصلحة حكومية دون صدور قانون بإنشائها، لافتًا إلى أن القرار الجمهوري بدمج المصلحتين لا يُلغي قانونَي إنشاء المصلحتين، متسائلًا: كيف يمكن لمصلحة واحدة أن تعمل بقانونين؟!

وأكد لـ"النقار" مصدر كان يعمل في رئاسة مصلحة الجمارك أن قرار الدمج بهذه الصورة يكشف عن حجم الصراع بين مراكز النفوذ داخل الجماعة، معتبرًا أن حدة الصراع القائم على المؤسسات الإيرادية كانت هي العامل الرئيسي في "سلق" قرارات الدمج، بهدف تركيز المال العام في يد فصيل واحد، لافتًا إلى أن ذلك سيفتح الباب أمام إشكاليات قانونية ستؤدي إلى تغوّل الفساد المالي والإداري، مما سيؤدي إلى تدمير المؤسسات.

ورأى مصدران مطلعان على الترتيبات التي تجري في وزارة المالية منذ تشكيل حكومة الرهوي أن تعيين إبراهيم مهدي لرئاسة مصلحة الضرائب والجمارك سيفاقم الصراع بين مراكز النفوذ داخل الجماعة، كونه محسوبًا على الفصيل المقرَّب من زعيم الجماعة، وأكد أحد المصدرين لـ"النقار" أن أبرز الجهات الإيرادية (الزكاة، الجمارك، الضرائب) صارت بيد مركز نفوذ واحد، فيما رأى المصدر الآخر أن تدشين المصلحة العمل بنظام الدفع الإلكتروني المباشر بكافة المنافذ الجمركية عبر نظام "أفمس" التابع لوزارة المالية، سيتم من خلاله استهداف مركز النفوذ المُقصى من المصلحة من خلال وقف المبالغ التي كان يحصل عليها نافذو هذا المركز عبر الطرق التقليدية في التحصيل.

ورأى مصدر تقني مطّلع أن كل البرامج والتقنيات التي تسعى وزارة المالية من خلالها لربط مختلف الجهات الإيرادية لا تهدف لتوحيد الأوعية الإيرادية في وعاء واحد هو البنك المركزي، بقدر ما تهدف لجعل كل الإيرادات مُحتكرة بيد مركز نفوذ داخل الجماعة، يديرها بطريقة "بيت مال الجماعة" بعيدًا عن رقابة السلطة التشريعية، كاشفًا لـ"النقار" أن كل أنظمة الدفع المرتبطة بوزارة المالية صارت تُدار عبر مكتب زعيم الجماعة، ولا تستطيع الوزارة التصرف في الأموال قبل الحصول على إذن تقني من مكتب زعيم الجماعة.

يكشف الصراع الدائر حول دمج المكونات الإيرادية في صنعاء عن حجم التنازع داخل جماعة أنصار الله على مفاصل المال العام، حيث لم يكن الهدف من عملية الدمج تطوير العمل المؤسسي أو توحيد الأوعية المالية، بل تركيز السيطرة في يد فصيل بعينه، على حساب القانون والمصلحة العامة. وبينما تستمر الجهات الرسمية في التعامل مع هذه الكيانات بمنطق “القرار الفوقي”، تظل القوانين النافذة معطّلة، والمؤسسات مفرغة من دورها، لتتحول الإيرادات إلى أداة صراع لا يخضع لأي رقابة أو محاسبة. ويبدو أن ما سُمي بـ”الهيئة العامة للإيرادات” لم يكن إلا غلافًا سياسيًا لهيمنة اقتصادية مكتملة الأركان، يجري تنفيذها تدريجيًا تحت إشراف مباشر من مكتب زعيم الجماعة، وبوسائل حديثة تُدار بمنطق “بيت مال الجماعة”، لا بمنطق الدولة.

شارك الخبر: