نايف المشرع
في اليوم الذي أحيت فيه الجماعة في صنعاء الذكرى الحادية عشرة للوصول إلى السلطة (ثورة 21 سبتمبر)، قامت قواتها في نفس اليوم، ومنذ الفجر، بمحاصرة منازل آل قطران في جاهلية – همدان، واعتقلت شقيق القاضي عبد الوهاب قطران، الفلاح عارف قطران، ونجله عبد السلام، إضافةً إلى آخرين من أبناء القرى. وحتى الآن ما تزال دوافع الاعتقال ومصير المعتقلين مجهولين.
قبل ذلك بأيام، تم اعتقال المواطن جميل شريان، بعد أن انتشرت له مقاطع ساخرة من الأوضاع الاقتصادية في البلاد، يقارن فيها بين عهد الرئيس السابق صالح والعهد الحالي. كما نُسب إليه مقطع صوتي قيل إنه كان خلال اتصال بإذاعة "سام"، ظهر فيه مدافعاً عن صالح ونجل صالح في حوار مع مدير الإذاعة حمود شرف الدين.
وقبل ثلاثة أيام، نشر عبد السلام عارف قطران صورة جمعته مع جميل شريان وشخص آخر، وعلّق عليها بعبارة: "الحرية للغيل جميل شريان". هنا يمكن أن نتساءل:
هل جاء اعتقال عارف قطران ونجله عبد السلام عارف قطران بسبب صورة الأخير مع جميل شريان؟
أم أن الأمر مرتبط بنيتهما الاحتفال بالذكرى الثالثة والستين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر؟
وهل كان اعتقال جميل شريان بسبب مقاطعه الساخرة، أم بسبب اتصاله بمدير الإذاعة؟
إذا كان الاعتقال سببه انتقاد ساخر للأوضاع المعيشية، فإن ذلك يثير تساؤلات حول حدود حرية التعبير. فهناك مئات الآلاف من المواطنين المتضررين من الأوضاع الاقتصادية، بدءاً من الموظفين الذين قُطعت رواتبهم، وتم إقصاؤهم من وظائفهم، مروراً بالعاطلين عن العمل والمزارعين الذين ارتفعت عليهم كلفة الوقود، وصولاً إلى الأسر التي عجزت عن توفير الغذاء والدواء والتعليم لأبنائها. كل هؤلاء يقارنون بين معيشتهم السابقة والحالية، ليس في صنعاء فقط، بل في مأرب، وفي تعز، وفي عدن، وفي كل محافظات الجمهورية.
والمقارنة لن تمنعها الاعتقالات!
ولا تبررها، كوننا نعلم أن كبار السن الذين كانوا يعيشون في عهد الإمامة يقولون لنا: كانوا يذهبون للسوق بريال وبقشة، ويتسوقون ويشترون كل شيء.
وهؤلاء لم يقم أحد باعتقالهم خلال ستين عاماً من المقارنة، رغم الإنجازات والمشاريع التي تحققت في عهد الجمهورية، وأبرزها: الحرية، والعدالة، والمساواة بين المواطنين اليمنيين.
ولكي تعرفوا أن المقارنة حالياً لم تولد في صنعاء فقط، بل في مناطق أخرى من اليمن، خذوا مثالاً شخصاً يدعى ناصر العنبري، لسنوات نشط على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر مقاطع ساخرة من السلطات هناك، ويقارن بين نظام السلطات هناك وبين نظام صالح، دون أن يتعرض للاعتقال أو الملاحقة. بل صعد للشهرة والنجومية في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو يقول عن تلك السلطات إنها أسوأ مما تصفونها أنتم في صنعاء.
فهل تلك السلطات أكثر تقبلاً للنقد منكم، وأكثر منحاً للمواطن حرية التعبير؟
من هنا تبرز إشكالية: هل تمثل السلطة في صنعاء سلطةً لكل المواطنين في مناطق سيطرتها؟ أم أنها تمارس إجراءاتها لحماية مصالح أتباعها فقط؟ وهل ينسجم الاعتقال مع الشعار المرفوع في مناسبة 21 سبتمبر عن الحرية والاستقلال؟
حرية الشعب أم حرية التابعين للسلطة فقط؟
إن احترام حق المواطنين في التعبير والاختلاف، والاحتفال بالمناسبات الوطنية، يظل جزءاً من الحفاظ على صورة أي سلطة أمام شعبها. فالمقارنة بين الماضي والحاضر أمر طبيعي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الناس. ومع استمرار الأزمات، يصبح من المهم إفساح المجال للحوار الهادئ بدلاً من التضييق والاعتقال.
افرجوا عن عارف قطران ونجله عبد السلام، وعن كل المعتقلين لديكم...
أما إذا كان سبب الاعتقالات الاحتفال بالذكرى الثالثة والستين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر، فهذا يلزمكم أن تكونوا أكثر وضوحاً من الثورة نفسها ومن الاحتفال بالمناسبة. إن أنتم مع الثورة وأهدافها، فيجب عليكم أن تسمحوا للناس بالاحتفال دون تضييق عليهم، دون ملاحقات، ودون اختلاق مبررات واهية. المحتفلون بذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر لن يحتفلوا بذكرى ميلاد الكيان الإسرائيلي، الذي يشن عدوانه الغاشم على بلدنا، ولن يحتفلوا بذكرى تأسيس نظام المملكة، بل سيحتفلون بذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر — الثورة اليمنية العظمى في تاريخ اليمن، الثورة التي حاربها النظام السعودي، والإسرائيلي، والأمريكي، والفرنسي، والبريطاني لثماني سنوات بدعم النظام الإمامي، ورغم ذلك شاء الله، وبإرادة آباء وأجداد من يحتفلون بها اليوم، أن تنتصر الثورة اليمنية، فانتصرت بدمائهم الطاهرة وتضحياتهم الجسام.
فمن يحتفل اليوم هم أبناء مئة ألف شهيد قدموا أرواحهم فداءً للثورة والجمهورية، وفداءً لتراب هذا الوطن، وفداءً لحرية هذا الشعب.
وإن كان موقفكم ضد الثورة والاحتفال، فاستمروا في مراكمة الاحتقان الشعبي، واستمروا في صناعة الخصوم حتى يقضي الله أمراً.
ومن جديد: جربوا هذا العام أن تجعلوا الأمن يأمن المحتفلين، بدلاً من القمع والاعتقالات. دعوهم يحتفلوا، وشاهدوا إن كان سيبقى من يحتفل العام القادم أو يزايد عليكم.
أفرجوا عن آل قطران وغيرهم من أبناء همدان.
الناس ضاقوا ذرعاً، خصوصاً هذا العام في همدان، فلا أمطار هطلت، ولا وجدوا ماء يسقون به العنب ليبيعوا ويأكلوا ويشربوا.
الحرية لـــ عارف قطران ونجله عبد السلام، وكل المعتقلين في كل سجون جميع سلطات الأمر الواقع في صنعاء، وعدن، وتعز، ومأرب، وكل محافظات الجمهورية اليمنية.