• الساعة الآن 08:54 PM
  • 22℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

القاضي قطران يكتب : ‏حين يُتّهم الجائع بأنه عميل..  خبز حافي … وتهم بالعمالة!

news-details

 

 

عبدالوهاب قطران

 

مع الفجر جاءوا…

لم يحملوا نورًا ولا رحمة، بل حملوا بنادقًا ورشاشاتٍ، وحاصروا بيتنا كأننا جبهةٌ من جبهات حربٍ لا نعرف لها سببًا. ساعة كاملة والرصاص مصوَّب إلى جدراننا، ثم أخذوا أخي عارف وابنه عبدالسلام، واقتادوهما إلى زنزانةٍ بلا تهمة بلا جرم إلا أننا نحب الحياة ونقول كلمة حق.

اتصل بي عارف من داخل السجن بصوتٍ يشبه طائرًا مكسور الجناح، يشتكي أمراضًا تنهش جسده، ويقول إنهم محشورون مع أكثر من عشرين روحًا في غرفةٍ واحدة حيث حتى اللقمة تُشترى ولا تُهدى!

وفي البيت مأساةٌ لا تقل قسوة:

أمي تتصل عصرا : الماء نفد، البئر جف، والغطاس تعطل اليوم  —  لانجد بالبيت ولاقطرة ماء ،وتطلب اسعافها حتى بعشرة آلاف ريال فقط لتشتري ماءً، ماءً لا أكثر. الأطفال جياع، لا يجدون قوت يومهم. خطاب ومريم، طفلا أخي، طُردا من المدرسة لأنهما لم يسددا ما يسمّى "مشاركة مجتمعية". لشهرين كانوا يقتاتون خبزًا يابسًا وبصلة وطماطة، حتى استطعت أن أدبّر لهم مبلغ بسيط ، ثم عاد الجوع يطرق الباب من جديد.

وهنا تأتي المفارقة المرّة — المفارقة الساخرة التي لا تُنسى: بينما يرموننا باتهامات "الخيانة" و"العمالة" و"قبض الأموال من الخارج" والتماهي مع اجندات ال عفاش  لتبرير سجونهم، نحن هنا لا نجد ريالًا واحدًا لشراء ماءٍ يروي أولادنا، ولا نجد لقمة تكفّ رمق أمٍّ تبكي من التعب.

أيُّ "أموال"؟ وأيُّ "أجندة"؟! هل الأجندة إطعام طفلٍ جائع  أم إسكات أمٍ تبكي لأن البئر جفت؟ إنهم يسمّمون الحقيقة بكلماتٍ كبيرة، بينما الحقيقة الصغيرة — خبزٌ يابس، بئرٌ ميتة، غرفةٌ سجن مزدحمة — تصرخ بصمت.

العنب في مزرعتنا ذبل ومات عطشًا، والزبيب على السطح شرب من مطر الخامس فنُسِ، والبيت يئنّ من خلو الموائد. ومع ذلك لا يرحمنا أحد. لا الجوع تركنا، ولا السجون أفرجت عننا، ولا الاتهامات زالت من أفواههم.

يا أهل اليمن،

هذه ليست حكاية آل قطران وحدهم، بل حكاية بيوتٍ لا تُحصى: أمهاتٌ تتوسّل ثمن ماء، أطفالٌ يُطردون من المدرسة، رجالٌ يتلاشى جسدهم في زنازين مزدحمة.

ما نعيشه ليس سوى صورةٍ لوطنٍ ينهكَهُ الجوع والخوف والصمت.

فوق الجوع… سجون.

وفوق السجون… اتهاماتٌ معلبة جاهزة بالأجندات الخارجية  وقبض الأموال!

ومع ذلك، يبقى الوجع إنسانيًا، والنداء بسيطًا: ماءٌ لطفل، خبزةٌ لأم، وصوتٌ لكرامةٍ تُداس.

شارك المقال: