النقار - خاص
أبرزت حادثة اعتقال الشيخ محمد الزايدي، المقرب من جماعة أنصار الله في محافظة المهرة، منفذ صرفيت الحدودي مع سلطنة عمان إلى الواجهة، بعد أن ظل لسنوات بعيدًا عن الأضواء مقارنة بمنفذ شحن المجاور.
فقد عبر من منفذ صرفيت بمديرية حوف، خلال السنوات السبع الماضية، عدد كبير من المحسوبين على سلطة صنعاء، متجهين إلى سلطنة عمان وعائدين منها، بينهم مبتعثون للدراسة في إيران، بالإضافة إلى عسكريين ومشرفين من الجماعة، باستثناء بعض الحالات التي شهدت إشكالات تم التعامل معها بعيدًا عن الإعلام.
وأفاد مصدر مطّلع على حركة المسافرين في منفذ صرفيت لـ”النقار” أن المنفذ أصبح، منذ عام 2018، منفذًا خلفيًا لعبور جماعة الحوثيين من وإلى سلطنة عمان، بعلم قيادات عسكرية وأمنية تتولى حماية المنفذ، مرجحًا أن ذلك يجري ضمن تفاهمات تمت بين طرفَي الصراع برعاية عمانية. لكنه أشار إلى أن فتح مطار صنعاء منتصف مايو 2022 أدى إلى تراجع حركة العناصر عبر المنفذ، قبل أن تعود مجددًا بعد القصف الإسرائيلي لآخر طائرة في مطار صنعاء نهاية مايو الماضي.
وكشف مصدر قبلي في محافظة المهرة لـ”النقار” عن وجود علاقات تربط جماعة أنصار الله بمشايخ في المحافظة، نُسجت من خلال مشايخ موالين للجماعة، أغلبهم من محافظتي مأرب والجوف، إضافة إلى قيادات حوثية مقيمة في سلطنة عمان. وتمتد هذه العلاقات إلى مشايخ من قبائل الحريزي وآل كدة ورعفيت والقمصيت في مديريتي حوف وشحن.
وحصل “النقار” على معلومات من مصادر أمنية ومحلية في مديرية حوف، تشير إلى أن قيادات حوثية من الصف الثاني، أغلبهم من أسر مشيخية في محافظات مأرب والجوف وصنعاء، يحلون ضيوفًا على مشايخ في حوف وشحن قبل مغادرتهم إلى سلطنة عمان عبر منفذ صرفيت، بعد التنسيق اللازم. وتنتظر هذه القيادات عند عودتها في منطقة المزيونة، التي يقع فيها الجانب العماني من المنفذ، حتى يتم التنسيق لعبورها.
وأكد مصدر في منفذ صرفيت لـ”النقار” أن الشيخ محمد الزايدي سبق له قبل خمس سنوات أن عبر المنفذ إلى سلطنة عمان، بعد يومين من نزوله ضيفًا لدى أحد مشايخ قبيلة القمصيت.
وأفاد مصدران عملا سابقًا في التخليص الجمركي بمنفذ صرفيت لـ”النقار”، أن دخول وخروج المحسوبين على الجماعة أمر معروف لجميع العاملين في المنفذ، من موظفين، وعناصر الحماية الأمنية والعسكرية، وحتى المرتبطين إداريًا بالمنفذ. وأضاف أحد المصدرين أن تحركات هذه العناصر تتم غالبًا في أوقات متأخرة من الليل، وتستمر حتى ساعات الصباح الأولى.
وكشف مصدر أمني سابق في شرطة المهرة لـ”النقار” أن عملية تنسيق دخول وخروج الحوثيين عبر منفذ صرفيت تتم من خلال مكتب الشيخ علي سالم الحريزي، المدعوم من سلطنة عمان، مبينًا أن شخصًا في المكتب يُدعى “ابن هبود” يعمل كضابط ارتباط بين الحوثيين وأمن المنفذ والعمانيين لتنسيق عمليات العبور. وأوضح أن اختيار منفذ صرفيت كمنفذ خلفي للجماعة يعود إلى قلة الحركة فيه مقارنة بمنفذ شحن، إضافة إلى هيمنة القبائل عليه، خصوصًا قبيلة الحريزي، التي تولت حماية المنفذ لنحو عامين بعد اندلاع الحرب في 2015.
وعن كيفية وصول الحوثيين إلى المنفذ دون توقيفهم من قبل نقاط التفتيش الواقعة ضمن مناطق الشرعية، كشف مصدر واسع الاطلاع على طرق التهريب الممتدة بين صنعاء والمهرة لـ”النقار” أن هذه العناصر تسلك طرقًا مخصصة للتهريب، تتجاوز النقاط الأمنية على الطرق الرئيسية. تبدأ هذه الطرق من الحزم في الجوف، مرورًا باليَتَمة، ثم طريق الرملة المؤدي إلى خشم الجبل في صحراء حضرموت، وصولًا إلى صحراء رماة، ومنها عبر طرق حصوية وصحراوية في أطراف مديريتي منعر وحات بالمهرة، حتى منطقة آبار علي (منطقة علي سالم الحريزي)، ومن هناك إلى منفذ صرفيت.
واعتبر مصدر سياسي مطلع أن ما حصل مع الشيخ محمد الزايدي في منفذ صرفيت ربما يرتبط بخلافات حول التفاهمات السابقة، لكنه لم يستبعد أن يكون الأمر انعكاسًا لخلافات بين أطراف في الشرعية نفسها، وربما تم ذلك بإيعاز سعودي لإيصال رسالة إلى سلطنة عمان. ولفت إلى أن اعتقال الزايدي قد يمثل أيضًا رسالة موجهة للجماعة على خلفية تصعيدها الأخير في البحر الأحمر.
ويعكس هذا المسار، وفق متابعين، تعقيد المشهد الحدودي شرق البلاد، وتعدد الفاعلين فيه، حيث يتقاطع النفوذ العماني مع حضور قبلي مسلح، ونفوذ جماعة أنصار الله من جهة، ومصالح أطراف في الحكومة المعترف بها دوليًا من جهة أخرى. وتبرز هنا المهرة كنموذج خاص ضمن خارطة النفوذ، يتداخل فيه المحلي بالإقليمي، ما يجعل أي تحرك -كحادثة الزايدي- محمّلًا برسائل أبعد من مجرد عبور أو توقيف عابر. فالصراع لم يعد على الأرض فحسب، بل على خطوط الاتصال والمعابر والمنافذ، حيث تدور حرب ناعمة على النفوذ، وسط صمت رسمي، وموازنات معقّدة يصعب تتبع خيوطها.