• الساعة الآن 09:50 PM
  • 17℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

الري بمياه المجاري في إب .. محصولٌ ينمو ومرضٌ يتسلل بصمت وسلطات لا يهمها غير الجبايات

news-details

النقّار – خاص
توسعت ظاهرة استخدام مياه المجاري في ري الخضروات في محافظة إب، لتشمل ري محاصيل أخرى، من أبرزها البطاط والذرة، وامتدت من منطقة ميتم والمشنة لتصل إلى الظهار والسحول.

ورغم التنديد المجتمعي بما يحصل، إلا أن دور السلطات ما يزال دون المستوى المطلوب، حيث تكتفي بضبط مجموعة من المزارعين، ثم ما تلبث أن تفرج عنهم مقابل تعهدات خطية وغرامات مالية. توسع الظاهرة بات يشكل خطراً على صحة المجتمع، ما يستوجب تدخل النيابة العامة في المحافظة، باعتبارها الجهة المعنية بحماية المجتمع.

عند زيارة منطقة الحوج القبلي بمنطقة السحول شمال مدينة إب، والتابعة إدارياً لمديرية الظهار، ستجد ظاهرة ري حقول الخضروات والبطاط ومحاصيل الذرة تتم في وضح النهار، حيث يستخدم المزارعون مضخات صغيرة ترفع المياه من غرف التفتيش الخاصة بالمجاري، لسقي المساحات الزراعية المخصصة لزراعة البطاط والفجل وبعض الخضروات كالخس والملفوف ومحصول الذرة الرفيعة.

وأفاد "النقّار" مواطنون في منطقة الحوج القبلي أن ظاهرة ري حقول الذرة والبطاط والخضروات في المنطقة كانت تتم في السابق ليلاً، لكنها خلال الأشهر الأخيرة صارت تتم في وضح النهار.

وفي هذا السياق، قال المواطن عبدالله محمد ناجي؛ إن مدير مديرية الظهار فضل زيد نزل الشهر الماضي إلى منطقة نعيمة، وشاهد بنفسه ما يحصل، وعقب الزيارة تم ضبط عدد من المزارعين من قبل الأمن، لكنهم خرجوا بعد دفع غرامات مالية والالتزام بعدم السقي بمياه المجاري، غير أنهم عادوا مجدداً للسقي.

من جانبه، قال الناشط المجتمعي عبدالحكيم عبادي: بُحت أصواتنا ونحن نحذر منذ عام من المخاطر الصحية لري المحاصيل بمياه المجاري، لكن السلطات لا تستجيب، وإن استجابت تنفذ حملات ضبط موسمية بهدف جمع المال من المضبوطين. مؤكداً أنه لو كان هناك ضبط وتفعيل للقوانين لما توسعت هذه الظاهرة وأصبحت تمارس في وضح النهار. مضيفاً أن السلطات تعرف حجم توسع المساحات الزراعية المروية بمياه المجاري، ولكن معرفتها بالتوسع يقتصر على رفع الزكاة وغيرها من الرسوم من عام إلى اخر، وليس الوقوف على الظاهرة ومعالجتها لحماية المجتمع.

وأفاد "النقّار" مصدر في ديوان محافظة إب أن المساحات الزراعية التي تُروى بمياه المجاري توسعت خلال الخمسة الأعوام الأخيرة، ولم تعد مقتصرة على مساحات محددة، وإنما امتدت إلى مناطق السحول وجبلة بعد أن كانت مقتصرة على مساحات محدودة في ميتم والمشنة. كاشفاً أنه خلال الثلاث السنوات الأخيرة وصلت إلى ديوان المحافظة العديد من الدراسات والتقارير العلمية التي تحذر من الري بالمجاري، سواء من المكاتب التنفيذية المعنية، أو من الأبحاث التي يقوم بها طلاب جامعة إب، لكنها تُرمى في الأدراج.

وأوضح المصدر أن الجهات الحكومية تعرف كل ما يدور في تلك المناطق، مشيراً إلى أن نافذين يحمون المزارعين المخالفين، مقابل إتاوات تدفع كل شهر، وأغلب هؤلاء النافذين أمنيون ومشرفون.

وقال لـ"النقّار" مصدر في مكتب الصحة بإب: رفعنا أكثر من تقرير بالمخاطر الصحية لري المحاصيل بمياه المجاري، غير أن السلطات لا يهمها حماية المجتمع من الأوبئة والأمراض بقدر ما يهمها ما يدفعه المزارعون من جبايات. مبيناً أن إدارة الترصد الوبائي رفعت إحصائية لقيادة السلطة المحلية في المحافظة تكشف عن زيادة حالات الإسهالات المائية خلال النصف الأول من العام الجاري بنسبة 32% قياساً بالفترة نفسها من العام الماضي، وأوصت بوضع حد لعمليات الري بمياه المجاري.

وكشف لـ"النقّار" مصدر في مكتب حماية البيئة أن دراسة أُنجزت بالتعاون مع طلاب وأكاديميين في جامعة إب خلال العام 2023 حول أثر الري بمياه الصرف على التربة في منطقة ميتم، توصلت إلى أن التربة في المنطقة بدأت تعاني من تدهور بنية حبيبات التربة وتراكم المعادن الثقيلة كالرصاص والكادميوم، والتي بدأت آثارها تظهر على التربة على شكل جفاف متشقق في الصيف وطين لاصق في الشتاء. مبيناً أن الدراسة سُلّمت إلى ديوان المحافظة، مبدياً أسفه من عدم التعاطي مع ما ورد فيها، وأنه لم يتم حتى الاتصال بالجهة التي قامت بتنفيذها ولو من باب المجاملة.

وكشف لـ"النقّار" طبيب يعمل في مستشفى جبلة بإب عن ارتفاع حالات الإصابة بفيروس التهاب الكبد A وE بين سكان مدينة إب وريفها المجاور خلال العامين الأخيرين، مشيراً إلى أن السبب يعود بدرجة رئيسية لاستخدام مياه الصرف الصحي غير المعالجة في ري الخضروات والمحاصيل.

وأضاف أنه خلال الثلاثة الأشهر الماضية وصلت إليه ثلاث حالات مرضية اتضح إصابتهم بفيروس الكبد A، وعند التقصي حول حالاتهم اتضح أنهم مزارعون يروون مزارعهم بمياه المجاري المتدفقة في سايلة جبلة. مبيناً أن ملامسة العاملين في الزراعة للتربة المروية بمياه المجاري يؤدي إلى الإصابة بفيروس الكبد A وE، لأن لمس المياه الملوثة ثم لمس الفم أو الوجه يؤدي إلى دخول الفيروس إلى الجسم، كما أن الجروح الصغيرة أو التشققات في الجلد تؤدي إلى دخول الفيروس إلى جسم المزارع. مشيراً إلى أن أغلب المزارعين يعانون من تشققات الأقدام نتيجة عملهم وسط التربة الرطبة بدون أحذية.

وقال مصدر في مؤسسة المياه والصرف الصحي بإب إن المشكلة البيئية والصحية في مدينة إب لم تعد مقتصرة على معالجة مياه أحواض الصرف الصحي التي تستخدم في الري، وإنما تتعداها إلى معالجة المياه التي تضخ إلى المنازل في المدينة. مؤكداً لـ"النقّار" أن المياه التي تضخ إلى المنازل في كثير من الأوقات لا يتم معالجتها بالشكل الصحيح، خاصة خلال العامين الأخيرين، بسبب توقف الدعم الذي كان يقدم للمؤسسة من الجهات الداعمة، إضافة إلى الفساد المستشري في المؤسسة.

وفي سياق ذي صلة، كشف لـ"النقّار" مصدر رفيع في مكتب حماية البيئة بمحافظة إب أن ري المحاصيل بمياه المجاري لم يعد مقتصراً على أطراف مدينة إب، وإنما بدأت الظاهرة تنتقل إلى مدينة يريم شمال المحافظة، حيث بدأ بعض المزارعين بري حقول الذرة بمياه المجاري المتدفقة، مرجعاً ذلك إلى غياب الدور الضبطي الذي ينبغي أن تقوم به الجهات الأمنية، والتي ينبغي أن تحيل المخالفين إلى النيابة بدلاً من الاكتفاء بالتعهدات الخطية ودفع الغرامات.

شارك الخبر: