عُقد في إسطنبول اليوم الجمعة عدة اجتماعات، في إطار الجهود الدبلوماسية المتجددة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، أحدها يتضمن مباحثات مباشرة بين موسكو وكييف لأول مرّة منذ نحو ثلاثة أعوام.
وانتهى الاجتماع بين الوفدين الروسي والأوكراني في إسطنبول الجمعة، بعد حوالى ساعة و40 دقيقة على انطلاق المباحثات، حسبما أفاد مصدر في وزارة الخارجية التركية. وشارك وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في المحادثات، وفقاً لمكتبه.
وقال مسؤول أوكراني كبير لفرانس برس، "هناك جولة جديدة ممكنة من المباحثات مع روسيا الجمعة، لكنها ليست مقررة بعد".
ووصف مسؤول أوكراني المطالب التي قدمتها روسيا إلى أوكرانيا خلال المباحثات بـ"غير المقبولة"، والتي شملت تخلي كييف عن مزيد من الأراضي.
وأوضح المسؤول أن "أعضاء الوفد الروسي قدّموا مطالب غير مقبولة تتجاوز ما تمّ التباحث به قبل الاجتماع"، من ضمنها "انسحاب القوات الأوكرانية من مساحات واسعة من الأراضي الأوكرانية التي تسيطر عليها، من أجل التوصل إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار". واعتبر المصدر أن هذه الطلبات "غير مقبولة" وتهدف إلى حرف المفاوضات عن مسارها.
في حين، سيلتقي روبيو نظيره الأوكراني في إسطنبول، على أن يجتمع مسؤولون من وزارته مع الوفد الروسي الذي يقوده مستشار للرئيس فلاديمير بوتين.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن مدير تخطيط السياسات مايكل أنطون سيمثل الولايات المتحدة في المباحثات الأمريكية الروسية.
"توقعات متواضعة"
وشكّل مستوى التمثيل في المحادثات خيبة كبيرة. حيث تُعتبر تشكيلة الوفد الروسي من الصف الثاني، مقابل تمثيل أوكراني انخفض من القمة إلى مستوى وزاري ردّاً على حجم التمثيل الروسي، بحسب موفدة بي بي سي إلى إسطنبول كارين طربيه.
ثم جاء التمثيل الأمريكي على مستوى نائب وزير الخارجية ليُضعف أكثر من مستوى التوقعات من المحادثات، مع العلم أن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو متواجد في المكتب الرئاسي لقصر دولما بهشه الشهير حيث تجري المحادثات.
وقال روبيو الخميس، إن التوقعات من هذا اللقاء ستكون متواضعة، خصوصاً في ظل مستوى التمثيل الروسي، وتبادل الجانبين الإهانات قبيل المباحثات.
وقال "أريد أن أكون صريحاً. لا أعتقد أن لدينا توقعات كبيرة حيال ما سيحدث"، مشيراً إلى أنّ التمثيل الروسي "لم يكن على المستويات التي كنا نأملها"، من دون أن يخفي أمله في أن يكون هناك تطورات حقيقية الجمعة.
وعكست مواقف الوزير الأمريكي رأياً مشابهاً كان أدلى به في وقت سابق الرئيس دونالد ترامب، إذ استبعد أن تُفضي المفاوضات بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا إلى أي نتيجة، قبل أن يعقد هو لقاء مباشراً مع نظيره الروسي.
وقال ترامب على هامش زيارته الخليجية "لا أعتقد أن أيّ شيء سيحدث، أعجبكم الأمر أم لا، حتى نلتقي أنا وهو".
وهو ربما ما دفع بعض الصحف الغربية كصحيفة "آل باييس" الإسبانية لاعتبار أن "ترامب وبوتين نسفا المحادثات".
ولم يستبعد ترامب الذي يختتم الجمعة جولته الخليجية التي شملت السعودية وقطر والإمارات، السفر إلى تركيا في حال تحقيق تقدم في المباحثات الروسية الأوكرانية.
بدوره، استبعد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تحقيق أي تطور، معتبراً أن روسيا لا تأخذ المباحثات "على محمل الجد". ورأى أن الوفد الذي أرسلته موسكو "صوريّ"، لتردّ عليه الأخيرة بوصفه بـ"المهرّج" و"الفاشل".
ودعا زيلينسكي الجمعة إلى "ردّ فعل قويّ" من الأسرة الدولية في حال فشلت المباحثات مع موسكو في إسطنبول، مندّداً بتغيّب الرئيس الروسي عن هذه المفاوضات.
ويتقدّم الوفد الروسي المستشار الرئاسي الروسي فلاديمير ميدينسكي، الذي سبق وأن قاد مباحثات مع أوكرانيا عُقدت في ربيع عام 2022، بعيد بدء الغزو في فبراير/شباط من العام ذاته، من دون أن تؤدي لنتيجة.
وكان ميدينسكي أشار في وقت سابق إلى أنّ بلاده تعتبر أنّ المحادثات الجديدة تشكّل "امتداداً" للمفاوضات الثنائية المتعثّرة التي جرت في العام 2022. وقال إنّ الوفد الذي يرأسه مُنح "جميع الصلاحيات" لاتخاذ قرارات، وهو ما شكّك فيه زيلينسكي في وقت سابق.
في المقابل، يترأس الوفد الأوكراني وزير الدفاع رستم عمروف.
وكان بوتين قد دعا نهاية الأسبوع المنصرم إلى مباحثات مباشرة مع الجانب الأوكراني في تركيا، وحدد له موعداً في 15 مايو/أيار. وأبدى زيلينسكي تجاوباً، لكنه طلب من بوتين أن يحضر "شخصياً" الى إسطنبول للقائه، إذ يؤكد زيلينسكي أنّه لا يزال "مستعداً" لإجراء "محادثات مباشرة" مع بوتين.
التوفيق بين مطالب روسيا وأوكرانيا
وميدانياً، تتواصل الأعمال الحربية بين الطرفين. وأفادت السلطات الأوكرانية بمقتل امرأة في قصف روسي طال بلدة كوبيانسك، وأخرى في الخمسينيات في منطقة دنيبرو.
من جهتها، أعلنت روسيا إسقاط 65 مسيّرة أطلقتها أوكرانيا خلال الليل.
وما زال البلدان متمسّكين بمطالب تسعى الجهود الدبلوماسية إلى التوفيق بينها.
إذ تطالب روسيا أوكرانيا بعدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) وتصر على الاحتفاظ بالأراضي الأوكرانية التي ضمتها، فيما تَعتبر كييف مدعومةً من حلفائها هذه الشروط، غير مقبولة.
بالمقابل، تريد أوكرانيا "ضمانات أمنية" غربية متينة لتجنب أي هجوم روسي جديد، وأن ينسحب الجيش الروسي الذي يسيطر على حوالى 20 في المئة من مساحة البلاد، كلياً من أراضيها، رغم أن زيلينسكي أقرّ في مراحل سابقة بأن بلاده قد تضطر للعمل على استعادة بعض أراضيها بالوسائل الدبلوماسية.
ردود فعل دولية
ورأى المستشار الألماني أنّ مباحثات إسطنبول خطوة "صغيرة" لكنها "إيجابية".
وأعربت الصين الجمعة عن أملها في أن تتوصل المباحثات المقررة بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول، إلى اتفاق سلام "عادل ودائم" يضع حداً للحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاثة أعوام.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان "نأمل في أن يواصل كل الأطراف المعنيين هذه المباحثات والمفاوضات بغرض التوصل إلى اتفاق سلام عادل، ودائم، وملزم، ومقبول لكل الأطراف، لبلوغ تسوية سياسية للأزمة الأوكرانية".
بدوره، شدد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على ضرورة أن تدفع روسيا "ثمن تفادي السلام"، وذلك عشية حضوره اجتماعاً للجماعة السياسية الأوروبية تستضيفه ألبانيا.
وتضم هذه المجموعة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي و20 دولة أخرى، أُسست في العام 2022 بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رداً على الغزو الروسي لأوكرانيا.
وينضم إلى ماكرون وستارمر في ألبانيا، المستشار الألماني فريدريش ميرتس والأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وغيرهم.
وقال ماكرون الجمعة، إنّ روسيا "لا تريد" التوصل إلى وقف لإطلاق النار في أوكرانيا، مشيراً إلى الحاجة لممارسة "المزيد من الضغوط" لإجبارها على القيام بذلك.
وقال ماكرون خلال افتتاح قمة الجماعة السياسية الأوروبية في تيرانا، إنّ "الساعات الأخيرة أظهرت أنّ روسيا لا تريد وقفاً لإطلاق النار، وفي حال لم يمارس الأوروبيون والأميركيون المزيد من الضغوط لتحقيق هذه النتيجة، فإنّها لن تحدث بشكل تلقائي" في إشارة إلى احتمال فرض عقوبات جديدة.
وكانت كييف والدول الأوروبية الحليفة لها دعت روسيا الأسبوع الماضي إلى الموافقة على وقف غير مشروط لإطلاق النار مدته 30 يوماً قبل أي مفاوضات.