• الساعة الآن 02:56 AM
  • 18℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

تركيا تعتقل مئات المعارضين السياسيين

news-details

 

تبين من خلال مراجعة أجرتها رويترز لتحقيق تسارعت أحداثه بشكل كبير في الأيام القليلة الماضية أن أهم المعارضين السياسيين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان يواجهون حملة قمع غير مسبوقة جرى خلالها اعتقال أكثر من 500 شخص في تسعة أشهر فقط.

وفي هذا الصدد، يقول أردوغان إن التحقيق يتصدى لما يسميه شبكة فساد تشبه "أخطبوطا تمتد أذرعه إلى مناطق أخرى داخل تركيا وخارجها".

ويذكر أن التحقيق، الذي بدأ في إسطنبول قبل أن يمتد إلى جميع أنحاء البلاد، لم يستهدف إلا البلديات التي يديرها حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي، وهو حزب مصطفى كمال أتاتورك المؤسس العلماني لتركيا الحديثة.

من جهته، نفى حزب الشعب الجمهوري اتهامات الفساد ووصفها بأنها محاولة مكشوفة للقضاء على بديل ديمقراطي للأتراك، وهو ما تنفيه الحكومة.

وتحكم هذه الحملة قبضة أردوغان التي استمرت عقدين على السلطة في وقت يتنامى فيه نفوذ تركيا في الشرق الأوسط وأوروبا.

وفي هذا الإطار، يقول دبلوماسيون ومحللون إن تلك الحملة لم تدفع الحلفاء الغربيين لإطلاق انتقادات حادة باعتبارها تهديدا للديمقراطية حتى في الوقت الذي خرجت فيه احتجاجات حاشدة في الشوارع خلال الربيع.

وكشفت مراجعة مذكرات قانونية وإعلانات حكومية عن حبس 14 رئيس بلدية منتخبا من حزب الشعب الجمهوري، ومن بينهم أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول والمنافس الرئيسي لأردوغان، وأكثر من 200 من أعضاء الحزب أو مسؤولين محليين، وذلك على ذمة المحاكمة.

للإشارة، فإن البلاد لم تشهد عزل مثل هؤلاء القادة السياسيين البارزين من مناصبهم استنادا إلى أدلة لم تنشر بعد ويرفضها محامو المتهمين باعتبارها ملفقة، منذ سلسلة انقلابات في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.

وأكد أرطغرل جوناي وزير الثقافة والسياحة السابق في حكومات في عهد أردوغان بين عامي 2007 و2013 "تستخدم هذه التحقيقات كأداة للاستنزاف السياسي وليس للتحقيق الموضوعي في وقائع محددة".

ويذكر أن جوناي استقال من حزب العدالة والتنمية الحاكم بعد اعتقال آلاف الأتراك إثر اندلاع احتجاجات مناهضة للحكومة في حديقة جيزي عام 2013. وذهبت الحملة ، رغم أنها أصغر حجما، إلى أبعد من ذلك واستهدفت أعضاء محتملين في حكومة مستقبلية محتملة يحققون نتائج قوية في استطلاعات الرأي.

وصرح جوناي لرويترز إن ذلك يعكس "القلق والذعر الذي يشعر به حزب (أردوغان) الحاكم من الانتخابات المقبلة". ورفض أردوغان ووزراء الحكومة مرارا اتهامات من منتقدين لهم بالتدخل في شؤون القضاء، وقالوا إن المحاكم جهات مستقلة وتحتاج إلى وقت لفحص الأدلة.

كما يقولون إن مثل هذه الانتقادات تقوض ثقة الشعب وتوضح أن أحزاب المعارضة تحسب حسابا لممارساتها غير القانونية وصراعاتها الداخلية. وقال أردوغان لنواب حزب العدالة والتنمية في البرلمان أمس الأربعاء "إنها عملية قانونية وليست سياسية. لا نشارك في أي جانب من جوانب هذه العملية".

 اعتقالات وإقامات جبرية 

ويكمن في وسط  تلك الأحداث والتحقيقات السياسي إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول التي يبلغ عدد سكانها 17 مليون نسمة، الذي قررت السلطات حبسه في مارس آذار على ذمة المحاكمة بتهم فساد ينفيها. وإمام أوغلو هو مرشح حزب الشعب الجمهوري للرئاسة في أي انتخابات مقبلة.

ويذكر أن اعتقاله تسبب في خروج أكبر احتجاجات منذ أحداث حديقة جيزي وفي انخفاض قيمة الليرة بشكل حاد، لكن خفت حدة الأمرين منذ ذلك الحين.

وإلى جانب إمام أوغلو، الذي لا يزال يتفوق على أردوغان في بعض استطلاعات الرأي حتى وهو خلف القضبان، خلصت مراجعة رويترز إلى اعتقال أكثر من 500 واستجوابهم منذ بدء التحقيق في أكتوبر/ تشرين الأول 2024، بما في ذلك 202 على الأقل منذ الأسبوع الماضي فحسب.

وبينت المراجعة، التي استندت إلى تقارير من وكالة الأناضول الحكومية للأنباء ومصادر أخرى، أن السلطات قررت حبس أكثر من 220 من بين هذا العدد أو وضعهم قيد الإقامة الجبرية.

ورفض مكتب أردوغان أو وزارة العدل الرد هذا الأسبوع على طلب للحصول على أعداد إجمالية للمحتجزين والمعتقلين، وللتعقيب على نتائج مراجعة رويترز.

وأظهرت رويترز أيضا أن 36 شخصا على الأقل، معظمهم من العاملين في القطاع الخاص ويتعاملون تجاريا مع البلديات، قدموا إفادة ثانية للمدعين العامين من السجن بموجب بند "التوبة الفعالة" في القانون التركي، وأفرجت السلطات بعد ذلك عن 32 منهم مع إخضاعهم لإجراءات رقابة قضائية.

وأفادت  بيانات وإفصاحات من ممثلي الادعاء العام وآخرين أن هذه الإفادات كشفت عن المزيد من المشتبه بهم.

ومنذ يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، اتسع نطاق التحقيق إلى إزمير ثالث أكبر مدينة في تركيا وأنطاليا وأضنة وأديامان، وهي مناطق فاز فيها كلها حزب الشعب الجمهوري المنتمي لتيار الوسط على حزب العدالة والتنمية الحاكم المحافظ بزعامة أردوغان في الانتخابات المحلية التي جرت في مارس/ آذار من العام الماضي، وهو تصويت شهدتسجيل أكبر هزيمة انتخابية يمنى بها الحزب الحاكم على الإطلاق.

 أذرع وشبكات فساد أخطبوطية  

الرئيس أردوغان كان قد تنبأ في الأشهر القليلة الماضية بتنفيذ المزيد من عمليات توجيه الاتهامات والاعتقالات، وأصاب في توقعه، وهو أمر زاد من المخاوف بشأن التدخل السياسي.

وغداة أيام من تعليقه المبهم عن وجود أذرع فساد أخطبوطية في مايو/ أيار، اعتقلت السلطات خمسة من رؤساء البلديات من إسطنبول وأضنة بتهم الفساد.

من جهتها، أصدرت مديرية الاتصالات في تركيا قائمة برؤساء بلديات سابقين من حزب العدالة والتنمية أدينوا بتهم مماثلة في تحقيقات منفصلة، قائلة إن ما يتردد عن أن حزب الشعب الجمهوري مستهدف بشكل منفرد "لا أساس لها من الصحة على الإطلاق".

إلا أن معظم الأسماء المدرجة في القائمة خضعوا للتحقيق بعد ترك مناصبهم ولم تحبسهم السلطات على ذمة المحاكمة.

وتبين مراجعة رويترز لأحدث تحقيق عدم اتخاذ أي إجراءات قانونية في 14 مقاطعة من أصل 39 في إسطنبول يديرها حزب العدالة والتنمية. وقال محمد بيليفان محامي رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو،المحبوس شأنه شأن موكله ويواجه تهما جنائية ينفيها، لرويترز من محبسه إن التحقيق يسعى لأول مرة إلى تجريم الحق في ممارسة المحاماة والدفاع القانوني.

مؤكدا أن رئيس البلدية لا يوجد ضده "دليل واحد ملموس". ولم يصدر ممثلو الادعاء لوائح اتهام حتى الآن. وفي أحد جوانب التحقيق، يظهر محضر مؤلف من 121 صفحة من استجواب الشرطة اطلعت عليه رويترز أن إمام أوغلو يواجه ادعاء واحدا بأنه تواطأ مع مجموعة من الرجال يقال إنهم اجتمعوا في مقهى لمناقشة مدفوعات للرشوة.

كما تشير الوثائق إلى أن الشرطة سألته عن كيفية اتصال هاتفه بنفس البرج الخلوي الذي كان يتصل بهواتف الرجال 150 مرة على الأقل. فأجاب بأن منزله في ذلك الوقت كان قريبا من المقهى، لذا كان من الطبيعي أن يستخدم هاتفه نفس البرج. ولم يعلق متحدث باسم الادعاء العام بعد على استجواب الشرطة.

ويفند حزب الشعب الجمهوري جميع مزاعم الفساد ضد مسؤولي البلديات التابعين له، لكنه قال إنه سيحقق في الأمر بعد أن نشرت هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية الرسمية (تي.آر.تي) لقطات لنائب رئيس بلدية مانافجات في أنطاليا جنوب البلاد والتي تقول إنها تظهره يتلقى الرشىاوي.

 انتخابات مستقبلية وسط أوضاع مشحونة   

يذكر أن تركيا عاشت من قبل موجات من الاعتقالات الجماعية للقيادات المؤيدة للأكراد وأعضاء المجتمع المدني وضباط جيش وجماعات محظورة، خاصة في عهد أردوغان السلطوي. وتجنب حزب الشعب الجمهوري نسبيا هذه الاعتقالات في عهد أردوغان، إذ خسر سلسلة من الانتخابات لصالح حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه منذ 2002.

وليس من المقرر إجراء انتخابات رئاسية قبل 2028، لكن قد تجرى في موعد أقرب إذا أراد أردوغان الترشح مرة أخرى. ويمكن أن يسعى أيضا لتعديل الدستور الذي يقصر تولي الرئاسة على ولايتين فقط.

وينفي جميع رؤساء البلديات التابعين لحزب الشعب الجمهوري، بمن فيهم 14 رئيس بلدية في السجن وواحد قيد الإقامة الجبرية، التهم المتعلقة بالفساد والرشوة والإرهاب التي ينتظرون قرار المحكمة بشأنها.

ومن جهته، قال رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزجور أوزيل في خطاب ألقاه الأحد إن رؤساء البلديات "وقعوا أسرى لهذا الانقلاب على حزب أتاتورك"، وهي تصريحات دفعت السلطات إلى إجراء تحقيق منفصل فيها بتهم من بينها إهانة الرئيس.

 

شارك الخبر: