النقار - خاص
تشهد الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد بصنعاء فوضى إدارية ألقت بظلالها على أداء الهيئة، التي ظلت محل توافق لقرابة تسع سنوات منذ اندلاع الحرب، تدير الإقليم الجوي لليمن باقتدار.
بدأت جماعة أنصار الله، وفي إطار مساعيها للاستحواذ على كل شيء في مناطق سيطرتها، بتعيين عناصرها في الهيئة، ابتداءً من بداية 2019، في محاولة للاستيلاء التدريجي على الهيئة ومواردها، وأبرزها رسوم عبور الإقليم الجوي لليمن، الذي تصل مساحته إلى مليون ونصف كم مربع.
في 2021، عُيّن رائد جبل، أحد المقربين من مدير مكتب الرئاسة أحمد حامد، وكيلاً للهيئة، وظل يتصرف إداريًا وماليًا وكأنه الرجل الأول في الهيئة، بل إنه أقال مدراء إدارات، وأحال بعضهم للتحقيق في جهاز المخابرات، وسجن بعضهم، بعيدًا عن رئيس الهيئة التوافقي محمد عبد القادر، الذي يعود له نجاح الهيئة بفعل علاقاته الواسعة مع منظمة الطيران المدني الدولية، ومنظمات الطيران الإقليمي.
يقول مصدر مطلع على أداء الهيئة لـ"النقار" إن الجماعة، وبعد أن مكنت رائد جبل من إدارة الشؤون الإدارية والمالية للهيئة بعيدًا عن رئيسها محمد عبد القادر، بدأت الخلافات تنشب بين نافذيها للسيطرة على موارد الهيئة، والتي تأتي أغلبها من رسوم عبور الأجواء اليمنية، نظرًا لوجود جهاز توجيه الطيران المدني الذي تديره الهيئة تحت سيطرة الجماعة. لافتًا إلى أن الصراع وصل أوجه، فتمت إقالة رئيس الهيئة محمد عبد القادر، والوكيل رائد جبل، في منتصف 2024، واستبدالهما بكل من: يحيى السياني، وعارف الأشرم، وهو ما أدى إلى اختلال عمل الهيئة، وظهور كثير من الإشكاليات، التي عجزت الإدارة الجديدة عن حلها، خاصة وأنها غير مؤهلة لإدارة العمل الفني للهيئة، لافتًا إلى أن السياني جِيء به من مؤسسة تنمية الحبوب، فيما الأشرم استُقدم من وزارة الداخلية.
وفي أغسطس 2024، عُيّن يحيى السياني رئيس الهيئة؛ نائبًا لوزير النقل، لكنه ظل متمسكًا برئاسة الهيئة، رغم أن قانون إنشاء الهيئة واشتراطات منظمة الطيران المدني، تقتضي استقلالية الهيئة.
وفي هذا السياق، أفاد "النقار" مصدران مقربان من رئاسة الهيئة، أن إصرار السياني على الجمع بين رئاسة الهيئة ومنصبه الجديد نائبًا لوزير النقل، أدى إلى انهيار أداء الهيئة المؤسسي، كاشفًا أن السياني عجز عن إدخال رسوم عبور الأجواء، بعد معاقبة الخزانة الأمريكية لبنك اليمن الدولي في أبريل 2025، الذي كانت تُدخل عن طريقه الرسوم كبنك وسيط، ما أدخل الهيئة في ضائقة مالية، خاصة وأن مرتبات كافة موظفي الهيئة في الجمهورية تأتي من صنعاء. وأفاد أحد المصدرين أن تردي أداء الهيئة زاد من حدة صراع مراكز النفوذ في الجماعة عليها، والذي وصل حد دعوة البعض لإعادة محمد عبد القادر لانتشال الهيئة من وضعها المتردي.
وفي سياق الصراعات على الاستيلاء على الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد، حصل "النقار" على معلومات من مصادر مطلعة، تفيد بأن مشاركة رئيس هيئة الطيران بعدن في اجتماع افتراضي مع منظمة الطيران الدولي لأول مرة في يونيو الماضي، أثار مخاوف الجماعة، ما دفع مركز نفوذ في الجماعة لاستصدار قرار من وزير النقل لتكليف الوكيل، عارف الأشرم، للقيام برئاسة الهيئة، غير أن مركز نفوذ آخر سارع لاستصدار تكليف لوكيل وزارة النقل والأشغال لشؤون النقل، علوي يحيى بدر الدين الحوثي، للقيام بأعمال رئيس الهيئة، وهو ما عقد أداء الهيئة، وأثّر في استقلاليتها.
وكشف لـ"النقار" مصدر رفيع في رئاسة الوزارة بصنعاء أن وزير النقل محمد عياش قحيم كان قد رشح محمد عبد القادر للعودة لرئاسة الهيئة، ووافق على الترشيح رئيس الوزراء، وتم طباعة قرار التكليف، غير أن نائب رئيس الوزراء محمد مفتاح رفضه، ما أدى إلى إيقاف القرار، الذي كان قد وقع عليه الوزراء.
وأفاد "النقار" ثلاثة مصادر تعمل في الهيئة ووزارة المالية ورئاسة الوزراء أن ما تعانيه هيئة الطيران من فوضى يرجع لصراع مراكز النفوذ في الجماعة للاستيلاء عليها، وكشف المصدر الأول أن الهيئة باتت على وشك عدم القدرة على دفع مرتبات موظفيها، في حين كشف المصدر الثاني أن قيادة الهيئة عجزت عن إدخال رسوم عبور الأجواء منذ قرابة العام، لكن المصدر الأخير أبدى مخاوفه من نقل الإقليم الجوي إلى دولة مجاورة، بسبب عدم وجود جهة توافقية لإدارته، ما سيحرم الجماعة من رسوم عبور الأجواء، والتي تصل إلى 2 مليون دولار شهريًا، وفقًا لتصريح رائد جبل، وكيل الهيئة السابق، لوكالة سبأ في يوليو 2023.