• الساعة الآن 03:41 AM
  • 12℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

عدالة للبطاقة الأممية.. والـ"بدون" بدون

news-details

 

خاص - النقار
في زمنٍ صارت فيه البطاقة الأممية صك نجاة، خرج علينا عبد الواحد أبو راس، القائم بأعمال وزير الخارجية في حكومة سلطة صنعاء (الحوثي)، بتصريحات تصلح أن تُعلّق على جدران الزنازين كأمثال شعبية جديدة: "من كان أممياً نجا، ومن كان يمنياً فليصبر حتى إشعار آخر".
ففي تصريحاته الأخيرة، أكد أبوراس أن 43 من موظفي الأمم المتحدة المحليين المعتقلين سيُحاكمون وفق الضوابط القانونية، وأن الإجراءات تمت تحت إشراف قضائي كامل، وأن ممثلي الادعاء تم إطلاعهم على كل خطوة. وكأننا أمام مسلسل قانوني من إنتاج "النيابة العامة للعدالة الانتقائية"، حيث تُوزع العدالة حسب بطاقة الانتماء، لا حسب الدستور.
لكن دعونا لا نظلم الرجل، فتصريحاته جاءت بعد ثلاثة أيام من تصريحات كبير المفاوضين محمد عبد السلام، الذي قال إن الجماعة حريصة على إيجاد حلول عادلة ومنصفة، واستمرار التنسيق مع المنظمات الإنسانية. ثلاثة أيام فقط كانت كافية لتحويل الجماعة من سلطة أمنية إلى جمعية حقوقية، ومن سجون بلا نوافذ إلى محاكم تحت إشراف قضائي "كامل"، ومن صمت مطبق تجاه المعتقلين اليمنيين إلى اهتمام بالغ بالمعتقلين الأمميين.
في المقابل، لا أحد يتحدث عن أوراس الإرياني الذي يشتكي من السكر، أو ماجد زايد الذي يعاني من مرض في صدره، أو عارف قطران الذي دخل مرحلة الجوع. هؤلاء لا يملكون بطاقة "برنامج الأغذية العالمي"، ولا حصانة "الأمم المتحدة"، ولا حتى تصريح دخول إلى نادي "العدالة الحوثية". إنهم مجرد مواطنين يمنيين. وهذا في عرف الجماعة لا يمنحهم حق العدالة، بل يمنحهم حق الصمت.
ليس الاعتراض هنا على أن تتم معاملة المعتقلين الأمميين بشكل قانوني، بل على هذا التزلف الرخيص أمام المجتمع الدولي، حين تُستخدم الإنسانية كورقة تفاوض، وتُقدّم العدالة كهدية دبلوماسية، بينما يُترك المواطن اليمني يتقلب في زنزانته بين المرض والجوع، دون أن يلتفت إليه أحد، لا سلطة ولا أمم.
فإذا كانت العدالة تُمنح حسب الانتماء، فهذه ليست عدالة... بل صفقة. وإذا كانت الإنسانية تُوزع حسب الضغط الدولي، فهذه ليست إنسانية، وإنما محض دعاية. وإذا كانت المحاكمات تُقام فقط حين تهدد الأمم المتحدة بسحب الدولارات، فهذه ليست دولة، وإنما مكتب علاقات عامة.
في الختام، لا بد من التذكير بأن العدالة المنتقاة ليست دليلاً على الالتزام بالقانون، بقدر ما أنها تأكيد على الظلم. والسلطة التي تكيل بمكيالين لا تُحاكم، بل تُراوغ. أما المعتقل كمواطن، فمكانه في الهامش، ينتظر أن يُمنح بطاقة أممية أو يُنسى إلى الأبد.

شارك الخبر: