• الساعة الآن 02:32 AM
  • 10℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

الغماري والرهوي..مفارقة الصورة والظل في سلطة لا ترى إلا نفسها

news-details

 

خاص-النقار

على امتداد الشوارع والحارات والأزقة، لا تكاد تخطو بضعة أمتار حتى تواجهك لوحة جديدة تحمل صورة الرجل ذاته: محمد عبد الكريم الغماري، رئيس هيئة أركان الجماعة، المعروف بالاسم الحركي "سيد هاشم".  
منذ الإعلان عن مقتله قبل نحو أسبوعين، تحولت العاصمة صنعاء وباقي المحافظات الخاضعة لسيطرة الجماعة إلى معرض مفتوح لصورة واحدة، إذ أنفقت سلطة صنعاء (الحوثي) مليارات الريالات على طباعة وتوزيع صور الغماري بمختلف الأحجام، لتغطي واجهات المحلات وزجاجات السيارات وأسواق القات وجدران البيوت، وكل شيء.  
هذا الحشد الدعائي الضخم لا يبدو مجرد تأبين لشخصية "عسكرية"، بل محاولة لتكريس صورة الغماري كرمز مقدس يتجاوز منصبه الرسمي. فبينما قُتل وزراء ورؤساء حكومة في الغارات الإسرائيلية، لم تحظَ صورهم بأي حضور مماثل. وكأن الجماعة لا ترى قيمة إلا في رموزها الخاصة المرتبطة بالهوية الفئوية.  
الصور لا تعكس مجرد شخص، بقدر ما أنها تعكس محاولة الجماعة لتثبيت سردية أن الغماري كان "أكثر من منصب"، وأنه يمثل روح الجماعة نفسها. لكن هذا التقديس الفردي يفضح تناقضاً صارخاً: سلطة تدعي أنها دولة، بينما تمارس طقوساً أشبه بكيان مغلق على رموزه الخاصة.  
لو أن ابنا للرهوي أو لبقية من قتلوا معه من الوزراء قام بجولة ممتدة من شارع المطار شمالا إلى الخمسين جنوبا مارا بالجراف ثم الحصبة ثم القيادة ثم ميدان التحرير فميدان السبعين وراح يعد صور الغماري المنبسطة على جانبي الطريق ولا تفرق بين اللوحة والأخرى سوى أمتار، ألن يشعر بالحزن من أن الجماعة التي تعتبر نفسها سلطة تصر على أن تبدو مناطقية وفئوية بحيث لا تحتفي إلا بقيادات من نوع خاص ولا تعطي لأحد دونهم قيمة أو اعتبارا، ولو حتى من باب النفاق السياسي؟ 
أما مسألة ما يعانيه البلد من أزمات معيشية خانقة، فإن أسئلة مؤلمة يثيرها حجم الإنفاق على هذه الحملة: كم جائع كان يمكن أن يُشبع؟ كم مستشفى كان يمكن أن يُرمم؟ لكن لا يبدو إلا أن المليارات التي صُرفت على اللوحات والملصقات تكشف عن أولويات سلطة تضع الدعاية قبل حياة الناس.  
هكذا تتحول صنعاء وباقي المدن الخاضعة للجماعة إلى متحف مفتوح لصورة واحدة، بينما تُمحى صور الآخرين وأدوارهم. 
والسؤال الذي يبقى معلقاً: هل ستبقى هذه الهالة الدعائية لتكرّس الغماري كرمز وطني أم سلالي؟ وهل أنها ستتلاشى مع الوقت لتكشف إفلاسا سياسياً واجتماعياً أكبر لدى الجماعة؟ أم أنها ستغدو أكثر ضراوة بحيث يكون البلد كله قد اختُزل إلى مجرد صورة داخل لوحة إعلانات ضخمة؟

شارك الخبر: